بسم الله الرحمن الرحيم
أربعون عقوية من شؤم المعصية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم . فإن للذنوب والمعاصي نقداً معجلاً في الدنيا ، غير المؤجل يوم القيامة فإن هذه تحت المشيئة ، وعدد الإمام العلامة إبن القيم رحمه الله – أكثر من أربعين عقوبة للمعصية حال سدادها من صاحبها رأيت أن أجمع أطرافها وأودعها هذا القرطاس حتى يكون المرء على بينة من صباحه حين تسول له نفسه ليلاً ويدعوه داعي الهوى فقال رحمه الله - ومن عقوبات المعاصي :
1 – حرمان العلم : فإن العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور . وقد قال مالك الشافعي : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعاصي .
2 – حرمان الرزق : وفي المستند من حديث ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب الذي يصيبه } .
3 – وحشة يجدها العاصي في قلبه : وبينه وبين الله لا توازنها ولا تقارنها لذه ، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تفِ بتلك الوحشة .
4 – وحشة تحصل بينه وبين الناس : ولا سيما أهل الخير منهم وكلما قويت تلك الوحشة بعُد منهم ومن مجالستهم ..
5 – تعسير أموره عليه : فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه .
6 - ظلمة يجدها في قلبه حقيقة : يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم ... وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ، وثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سوداً فيه يراه كل أحد .
7- المعاصي توهن القلب والبدن : أما وهنها للقلب فأمر ظاهر وأما وهنها للبدن ... فالفاجر - وإن كان قوي البدن - فهو أضعف شيء عند الحاجة .
8 – حرمان الطاعة فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها .
9 – المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولا بد : فإن البر كما يزيد في العمر ، فالفجور يقصر العمر ... وسر المسألة أن عمر الإنسان مدة حياته ، ولا حياة له إلا بإقباله على ربه ، والتنعم بحبه وذكره وإيثار مرضاته .
10 – المعاصي تزرع أمثالها : ويولد بعضها بعضاُ كما قال بعض السلف : إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها ، وإن من الثواب الحسنة الحسنة بعدها .
11- المعصية تضعف إرادة الخير : فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة .
12 – إلف المعصية حتى ينسلخ من القلب استقباحها ، فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه .
13 – المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه : قال الله تعالى { ومن يهن الله فما له من مُكرم }
14 – شؤم المعصية : يعود عليه شؤم ذنوبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم .
15 – المعصية تورث الذل : فإن العز كل العز في طاعة الله قال تعالى { من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً } .
16 – المعصية تفسد العقل : فإن للعقل نوراً والمعصية تطفئ نور العقل ولابد وإذا طفئ نوره ضعُف نوره ونقص .
17 – الذنوب إذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها مكان الغافلين كما قال بعض السلف في قوله الله تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) . قال هو الذنب بعد الذنب .
18- الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن قد لعن على معاصٍ وغيرها أكبر منها ، فهي أولى بدخول فاعلها تحت اللعنة .
19 – الذنوب سبب في حرمان دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوة الملائكة : فإن الله سبحانه أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات .
20 – الذنوب والمعاصي ... تُحدث في الأرض أنواعاً من الفساد : في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن قال الله تعالى { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } . ومن تأثير المعاصي في الأرض ما يحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها .
21 – الذنوب تُطفئ نار الغيرة : التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع الأبدان ... وأشرف الناس وأعلاهم همة أشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس .
22 – المعاصي تذهب الحياء : الذي هو مادة حياة القلب ، وهو أصل كل خير ، وذهابه ذهاب ا لخير أجمعه وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { الحياء خير كله } مسلم :37
23 – الذنوب تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله : وتضعف وقاره في القلب العبد ، شاء أم أبي .. ومن بعض عقوبة هذا : أن الله عز وجل يرفع مهابته من قلوب الخلق ويهون عليهم ، ويستخفون به ، كما هان أمره واستخف به .
24 – المعصية تستدعي نسيان الله لعبده : وتركه و تخليته بينه وبين نفسه وشيطانه وهناك الهلاك الذي لا يرجع معه نجاة ، وقد قال الله تعالى { يا أيها الذين أتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ( 18 ) ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون } .
25 – المعاصي تعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة : أو تعوقه أو توقفه وتقطعه عن السير .
26 – الذنوب تزيل النعم وتحل النقم : فمن عقوبتهما : أنها تزيل النعم الحاضرة ، وتقطع النعم الواصلة فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ولا حلت به نقمة إلا بذنب وقد قال الله تعالى { ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }
ولقد أحسن القائل :
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وحُطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم
27 – من عقوبات المعاصي ما يلقيه الله – سبحانه – من الرعب والخوف في قلب العاصي : فلا تراه إلا خائفاً مرعوباً ، فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبة الدنيا والآخرة ، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب .
28 – المعاصي تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه : فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأخير الأمراض في الأبدان ، بل الذنوب أمراض القلوب وداؤها ولا دواء لها إلا تركها .
29 - المعاصي تعمي بصيرة القلب : وتطمس نوره وتسد طرق العلم ، وتحجب موارد الهداية .
30 – المعاصي تصغر النفس وتقمعها : وتدسيها وتحقرها حتى تصير أصغر شيء وأحقره ، كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها ، قال الله تعالى { قد أفلح من زكاها (9) وقد خاب من دساها }
31 – المعاصي تُسقط الجاه والمنزلة والكرامة : عند الله وعند خلقه ، فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم ، وأقربهم منه منزلة أطوعهم له .
32 – المعاصي تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف : وتكسوه أسماء الذم والصغار ، فتسلبه أسم المؤمن ، والبر ، والمحسن ، والمتقي .... ونحوهما وتكسوه أسم الفاجر والعاصي والمفسد والخبيث و الزاني واللوطي ، والسارق .... وأمثالاً .....
33 - المعاصي توجب القطيعة بين العبد وربه تبارك وتعالى : وإذا وقعت القطيعة عنه أسباب الخير واتصلت به أسباب الشر .
34 – المعاصي تمحق بركة العمر وبركة الرزق وبركة العلم وبركة العمل وبركة الطاعة وبالجملة تمحق بركة الدين والدنيا .
35 – المعصية تجعل صاحبها من السفلة : بعد أم كان مهيئاً لأن يكون من العلية وفي المسند من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { بعثت بالسيف بين يدي الساعة وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري } .
36 – المعصية تجرئ على العبد من لم يكن يتجرأ عليه من أصناف المخلوقات : فتجرئ عليه الشياطين بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين (والمس ) و تجترئ عليه شياطين الإنس بما تقدر من أذاه في غيبته وحضوره ويجترئ عليه أهله وخدمه وأولاده وجيرانه حتى الحيوان البهيم .
37 – المعاصي تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه : في تحصيل العلم وإيثار الحظ الأشرف العالي الدائم على الحظ الخسيس الأدنى المنقطع فتحجبه الذنوب عن كمال هذا العلم وعن الاشتغال بما هو أولى به ونفع له في الدارين .
38 – المعصية تنسي العبد نفسه وإذا نسي أهملها وأفسدها وأهلكهما ..... قال الله عز وجل { ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون } . وقال تعالى { نسوا الله فنسيهم } .
39 – المعصية تباعد عن العبد وليه : وأنفع الخلق له ، وأنصحهم له ومن سعادتهم في قربه منه وهو الملك الموكل به ، وتدني منه عدوه ، وأغشى الخلق له ، وأعظمهم ضرراً له وهو الشيطان .
40 – ومن عقوبة المعصية المعيشة الضنك : في الدنيا وفي البرزخ والعذاب في الآخرة قال الله تعالى { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا } .
وبعد فهذه بعض عقوبات المعاصي والذنوب وإن العاقل ليستشعر أن واحدة منها لكافية في أوبته وعقده على التوبة النصوح والرجوع إلى الله – عز وجل – فحريٌ بك أخي المسلم أن تبادر بالتوبة النصوح والرجوع إلى الله وقد قال الله تعالى { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم { إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل } وإياك وتوبة الكذابين التي تكون باللسان والقلب منعقد على المعصية عازم على مواقعتها متى أمكنه ذلك ولا تستسهل المعصية هي السبب في خروج الأبوين من الجنة ، وهي السبب في طرد إبليس من ملكوت السماء ولعنه ، وهي التي سلطت الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ، والمعصية أرسلت الصيحة على قوم ثمود حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم ، ورفعت قرى اللوطية ثم قلبتها عليهم ، والمعصية أرسلت على قوم شعيب سحاب العذاب كالظل وأمطرت عليهم نار تلظى ، والمعصية أغرقت فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم ، والمعصية هي سبب كل بلاء يقع بابن آدم فالمعصية تنادي على أخواتها حتى تجتمع على العبد فتهلكه , فنسأل الله العفو والسلامة .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .